مقدمة
أيها الأخوة والأخوات كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرا ما يتعوذ بالله ويستجير بالله العلي العظيم من الهم والحزن يقول: "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن ومن العجز والكسل ومن الجبن والبخل" والإنسان في حياته الدنيا معرض لأن يهتم وأن يغتم وأن يحزن وأن يصاب بشيء من الكآبة والحزن وهذا أمر طبيعي، لقاء اليوم سيكون عن الاكتئاب النفسي والهم بشكل عام وكيف عالج الإسلام هذه الحالة التي يصاب بها الإنسان.
المقدم
فضيلة الشيخ يقول الله عز وجل في محكم التنـزيل بعد أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشِّر الصابرين) هل يمكن أن نعتبر هذه الآية أصل في تفسير الحكمة مما يصاب به المرء من البلاء ومن الغم ومن الحزن -قبل أن نأتي إلى تفصيلات وأسباب هذا الهم وهذا الاكتئاب الذي يبتلى به المسلم-؟
القرضاوي
لاشك أن كل إنسان معرَّض في هذه الحياة الدنيا للابتلاء، الإنسان من حيث هو إنسان لابد أن يُبتلَى، حياته نفسها قائمة على الابتلاء (إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه) والله تعالى يقول (لقد خلقنا الإنسان في كبد) أي في مكابدة ومعاناة منذ يولد الإنسان كما قال الشاعر:
يكون بكاء الطفل ساعة يولد
لما تؤذن الدنيا به من صروفها
لأفسح مما كان فيه وأرغــد
وإلا فما يبكيه منها وإنهــا
منذ يولد الإنسان يولد باكياً فهذه الحياة الإنسانية قائمة على هذا الابتلاء "ما كل ما يتمناه المرء يدركه" والحياة فيها مفاجآت كثيرة، يفقد عزيزاً يصاب بشيء كثير لديه، يفقد مالاً، يفقد أهلاً، يفارق وطناً، طبيعة الحياة الدنيا كطبيعة الإنسان أيضاً، هي بالبلاء محفوفة وبالكَدَرِ موصوفة، كما قال الشاعر أبو الحسن التهامي:
صفواً من الآلام والأكدار
جبلت على كدر وأنت تريدها
متطلب في الماء جذوة نار
ومكلِّف الأيام ضد طباعهـا
هذه هي الدنيا، قيل للإمام علي رضي الله عنه: صف لنا الدنيا، فقال للسائل: وماذا أصف لك من دار أولها بكاء وأوسطها عناء وآخرها فناء. هذه هي الدنيا، فطبيعة الإنسان أنه معرض للابتلاء، طبيعة الدنيا أنها لا تخلو من الآفات، الإنسان المؤمن أشد بلاءاً من غيره لأنه صاحب رسالة، وهذه الرسالة تعرضه للأذى، ومن هنا أقسم الله في هذه الآيات وكان الخطاب للمؤمنين لأنه تعالى قبلها يقول: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) ثم قال بعد ذلك (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات) وعلماء اللغة يقولون (لنبلونكم) اللام للقسم والنون للتوكيد كما قال تعالى (لتبلوُن في أموالكم وأنفسكم ولتسمعُون من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ومن الذين أشركوا أدنى كثيراً، وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور) فإذا كان الإنسان معرضاً للابتلاء فإن المؤمن أكثر عرضةً للابتلاء ولذلك جاء في الحديث الشريف "أشرُّ الناس بلاءً الأنبياء ثم الأمثل فالأمثل يُبتلى الرجل على قدر دينه فإن كان دينه صلباً اشتد بلاءً وإن كان في دينه رقَّة ـ يعني ضعف ـ ابتُلي على قدر دينه وما يزال البلاء ينـزل بالعبد حتى يمشي على الأرض وما عليه خطيئة" ومن هنا القرآن المكي حينما استكثر المؤمنون ما نزل بهم من بلاء وتعذيب وتشديد من الكفار عليهم نزلت أوائل سورة العنكبوت، يقول الله تعالى بسم الله الرحمن الرحيم (ألم، أحَسِبَ الذين آمنوا أن يُترَكوا أن يقولوا آمنا وهم لا يُفتنون) أهناك إيمان بلا فتنة وابتلاء (ولقد فتـنَّا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) هذا في العهد المكي، في العهد المدني أيضاً حينما استقر الحال بالمسلمين وظنوا أنه قد سلمت لهم الأمور جاءتهم ابتلاءات .. غزوة أحد، ابتلاء غزوة الخندق (هناك ابتُلي المؤمنون وزُلزِلوا زلزلاً شديداً) فنـزل قول الله تعالى (أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يأتكم مَثَلُ الذين خلوا من قبلكم مسَّتهم البأساء والضراء وزُلزِلوا حتى يقول الرسول والذين آمنوا معه متى نصر الله) يستبطئون النصر "متى؟" والتعقيب (ألا إن نصر الله قريب) ولذلك إذا نظرنا إلى حياة الأنبياء نجد أن حياة الأنبياء كلها سلسلة من المحن والابتلاءات .. انظر إلى حياة سيدنا يوسف عليه السلام، حلقات دامية، حلقة تتصل إلى حلقة أخرى، في أول الأمر أخوته من أبيه تآمروا عليه وقالوا (اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضاً) وقال قائل منهم أرق وأرأف (لا تقتلوا يوسف وألقوه في غيابة الجُب) وألقوه في غيابة الجُب كما تُلقى الأحجار، ثم بيع هذا النبي الكريم بعد ذلك كما تباع الشياه (وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين) وخدم في البيوت كما يخدم العبيد واتُهِم وأُلقِي في السجن كما يُلقى المجرمون، ولبث في السجن بضع سنين، وهناك محنة أخرى وهي محنة امرأة العزيز وهي محنة من نوع آخر فهذه سلسلة من المحن، لو نظرت إلى موسى عليه السلام وُلِد في المحنة، وهو من يوم أن وُلِد وفرعون مستعد للذبح، فأوحى الله إلى أمه ألقيه في اليم (ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين) وترى حياة موسى عليه السلام هرب إلى مدين وهكذا..، هذه حياة الأنبياء ولذلك لا ينبغي للإنسان المؤمن أن ينتظر حياة سالمة من كل هم وغم وكرب، فهذه ليست طبيعة الحياة الدنيا إنه يريد الجنة في الدنيا والجنة لم تأت بعد فلابد أن يوطِّن نفسه على الصبر والاحتمال (وإن تصبروا وتتقوا فإن ذلك من عزم الأمور).
المقدم
إذن فضيلة الشيخ الابتلاء والهم والاكتئاب سُنَّة ربانية لابد أن تحدث للإنسان ويُبتلى المرء على قدر إيمانه؟
مشاهدة من ليبيا
سؤالي لفضيلة الشيخ بالنسبة للاكتئاب النفسي أحيانا يصيبني دعاء أمي باكتئاب نفسي شديد جداً وهي تدعو علينا لأسباب تافهة جداً، مثلاً في أمور ترتيب البيت أو ما شابه تدعو بأشياء فظيعة جداً كالإصابة بالسرطان أو الرزق بالذرية الغير صالحة أو بزوج لا يصوم ولا يصلي، نريد أن نسأل هل دعاء الأم في حالة الغضب مستجاب مع أننا نحاول استرضائها بشتى الطرق؟
القرضاوي
جزى الله ابنتنا خيراً عن سؤالها، الاكتئاب والهم والغم يصيب الإنسان لأسباب ومن هذه الأسباب أحياناً تأتي من داخل نفس الإنسان، وهذا أخطر أنواع الاكتئاب وهو الذي يصاب به الناس في الحضارة المادية الغربية ويسمونها أمراض العصر عندهم، الاكتئاب والقلق المرضي واليائس من الحياة وأحياناً يؤدي إلى الانتحار، وأكثر البلاد انتحاراً هي البلاد الغربية وأكثرها رفاهية، في السويد أعلى مستوى من المعيشة وأفضل ضمانات اجتماعية في العجز والشيخوخة وإصابات العمل والولادة والرضاع، ومع هذا الإنسان لأدنى شيء يذهب وينتحر والعياذ بالله، إذا أخفق في امتحان، أخفق في حبه مع واحدة، أخفق في تجارة، إنما نحن عندنا الذي يعصمنا هو الإيمان كذلك من الأسباب أيضاً الإنسان في تعامله مع الناس هذه المؤثرات الاجتماعية تؤثر في النفس الإنسانية، الإنسان خُلق يتأثر ويؤثر وبعض الناس حسَّاسون أكثر من غيرهم، هناك ناس لا تبالي، وهناك ناس مثل الأخت كلما سمعت أمها تدعو عليها اكتأبت واغتمت ولاشك أن الأبناء مطالبون ببر الآباء والأمهات وخصوصاً الأم، العلماء يقولون أن الأم لها ثلاثة أرباع البر لأن النبي صلى الله عليه وسلم حينما سئل: من أحق الناس بصحابتي قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أمك، قال: ثم من؟ قال: ثم أبوك.
الأم ينبغي أن تُخَص بالبر أكثر لأنها أحوج إلى البر من الأب ولأن الأبناء أجرأ عليها من الأب، ولأنها تعبت أكثر من الأب (حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً) ولكن لاشك أن البنت إذا كانت مطالبة بالبر فالأم لا يجوز لها أن تدعو على أولادها، النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك، وقال: لا تدعوا على أولادكم ولا تدعوا على أنفسكم ولا تدعوا على خدمكم فلعلكم تصادفون ساعة إجابة فيجيب الله الدعاء، يجوز أن تكون أبواب السماء مفتوحة في هذا الوقت، فلذلك لا يجوز للإنسان أن يدعو على نفسه، فبعض الناس كما قال الله تعالى (ويدعو الإنسان بالشر دعاءه بالخير) ففي حالة الغضب يدعو حتى على نفسه يا رب خذني، فهكذا تجد الناس ويبدو أن الأم هي عصبية المزاج، حادة الطبع، فإذا أغضبتها ابنتها في بعض الأشياء التافهة تدعو عليها بأشياء غير مقبولة كالإصابة بالأمراض الخبيثة، أو أن يرزقها الله بزوج سيئ وذرية سيئة، هذا لا يجوز، وليس على البنت إلا الصبر على أمها، الله تعالى يقول (وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا)، (جاهداك) أي حاولا محاولة مستميتة والقرآن عبر عنها بالجهاد أي مقاتلة حتى يحملاك على الشرك، أي تعبد الأصنام وتترك دين التوحيد (فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) أظن ليس هناك بعد الحمل على الشرك والجهاد على الشرك، فأمها حتى لو دعت عليها يجب عليها أن تقابلها بحسن اللطف والأدب وتحاول كسب رضاها، ولعل هذه الأم من الناس الذين عندهم حدة الطبع تخرجهم عن الإرادة ولذلك بعض العلماء يقولون: إن طلاق الغضبان في حالة البغض الشديد لا يقع، لأنه لم يعد يملك السيطرة على نفسه، فننصح ابنتنا أن تعذر أمها وعندما ترضى تلاطفها وتقول لها: يا والدتي لا تدعي عليَّ فأنت لا ترضين عليَّ هذا، ولا أعتقد أن الأم ترضى لأبنتها هذا، لا يمكن لأم طبيعية أن تحب لابنتها أن تصاب بالسرطان أو أن تتزوج إنساناً سيئاً، وأتصور أن قلب الأم لا يرضى بهذا ولكن دفع إلى هذا حدة الطبع وشدة الغضب.
مشاهد من الطائف (السعودية)
عندي سؤالين:
السؤال الأول: إذا كان هناك أدعية مأثورة عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو عن الصحابة يستفيد منها المسلمين إذا أصيبوا باكتئاب نفسي.
والسؤال الثاني خارج الموضوع: صار لي حادث مروري قبل 5 سنوات وتوفت والدتي وأصبت أنا وزوجتي وأولادي بإصابات بليغة، القاضي الذي تولى هذا الموضوع قال أنني السبب في الحادث مع أن الإصابة كانت من الخلف وقال لي عليك صيام شهرين وأنا في حيرة من هذا، وعاجز عن الصيام وأنا على يقين أنني لم أتسبب في الحادث وكنت مدركاً لذلك.
القرضاوي
السؤال الأول هو سؤال مهم جداً، وهو الأدعية والأذكار التي يستعين بها المسلم إذا نزل به الكرب أو أصابته المحن وأحاطت به البلايا، عندنا مجموعة من الأذكار هي أسلحة في يد الإنسان المسلم يقاوم بها هذه الكروب التي تنـزل به ذكرها الإمام ابن القيم في كتابه "زاد المعاد" في أدعية الكرب، منها ما جاء في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول في دعاء الكرب: "لا إله إلا الله العليم الحليم لا إله إلا الله رب العرش الكريم، لا إله إلا الله رب السموات السبع ورب الأرض ورب العرش العظيم" منها دعوة ذي النون كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (دعوة أخي ذي النون حينما دعا في بطن الحوت: "لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين" ما دعا بها مكروب إلا فرَّج الله بها عنه)، القرآن ذكر هذه الدعوة (ذا النون إذ ذهب مغاضباً فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين)، (الظلمات) هي ظلمة البحر وظلمة الليل وظلمة بطن الحوت، هذا الدعاء على قصره فيه التوحيد (لا إله إلا أنت)، والتنـزيه (سبحانك)، والاعتراف (إني كنت من الظالمين)، (فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين) أيضاً الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لفاطمة رضي الله عنها أن تقول: "اللهم رحمتك أرجو فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين وأصلح لي شأني كله، لا إله إلا أنت، يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث" وكذلك الدعاء الذي علمه النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أمامة أن يقول "اللهم إني أعوذ بك من الهم والحَزن وأعوذ بك من العجز والكسل وأعوذ بك من الجبن والبخل وأعوذ بك من غلبة الدَين وقهر الرجال" والدعاء أيضاً الذي رواه ابن مسعود "اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك ماضٍ فِيَّ حكمك عدل في قضائك، أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحداً من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك، أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي" يقول النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الدعاء "ما قاله مسلم إلا اذهب الله حزنه وأبدله ترحه فرحاً" كذلك "الله ربي ولا أشرك به شيئاً" والاستغفار أيضاً، من لَزِم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً، أدعية كثيرة أنصح الأخوة أن يراجعوها في كتاب "زاد المعاد" وهي في هدية صلى الله عليه وسلم في الطب ومنها الطب في هذه الحالات فهذه الأدعية تقوي الإنسان المسلم لأنها تجعله يلجأ إلى ركن ركين، ويعتصم بحبل متين وبحصن حصين، يعوذ بالله ويلوذ بجنابه سبحانه وتعالى.
أما بالنسبة لسؤاله الثاني فلقد حكم القاضي في هذا الأمر وعادة المفتي لا يعقِّب على القاضي إنما على أساس أن هذا ليس منه حق للآخرين، فالقاضي هنا هو أشبه بالمفتي لأنه نصحه أن يصوم شهرين متتابعين، الحقيقة إذا لم يكن الأخ أخطأ في هذا الحادث فبعض العلماء يقولون أن السائق هو المسئول حتى لو لم يخطئ لأنه بسبب فعله حدث ما حدث، أنا أنصحه أن يصوم في هذه الأيام أيام الشتاء هي أيام قصيرة وباردة، والإنسان فيها يستعين بالله واحتياطاً يصوم لأن الله جعل هذه كفارة فهو قتل نفسا خطأً فعليه أن يحيي نفساً، الإنسان لا يستطيع أن يحيي النفس وإنما جُعل بدل الأحياء تحرير الرقبة، والتي بمثابة إحياء نفس، فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توبة من الله وكان الله عليماً حكيماً.
المقدم
معنا الدكتور أحمد عبد العزيز النجار أستاذ علم النفس بجامعة الإمارات .. دكتور بما أنك أستاذ في علم النفس، نريد منك تعريف الاكتئاب والمضاعفات المحتملة لهذا المرض ومتى يكون مرض، وذلك لأن كل منا يهتم ويكتئب في أي مسألة ولكن متى يصل إلى درجة مرض يجب أن يعالَج؟
الدكتور أحمد
الحقيقة أن هذا الموضوع من المواضيع التي يعاني منها الكل ولا يوجد إنسان مهما كبر ومهما صغر ومهما ازداد علماً أو ديناً أو مالاً أن يتخلص من موضوع الاكتئاب، الإشكالية الأساسية في هذا الموضوع أو في هذه القضية أننا نظل نعاني نفكر في القضايا وتتعارض طموحاتنا وآمالنا مع الواقع الذي نعيش فيه ولذلك كثير من الأحيان من حاولوا تعريف الاكتئاب والهم، اعتبروه أنه حالة عقلية انفعالية ذاتية التقدير تدفع الإنسان إلى الحزن والكآبة، اعتبروه كأنه أسلوب في التفكير يدفع بالإنسان منا إلى أن يفكر بالصورة السالبة، نحن نعرف أن تفكير الإنسان بشكل عام يتأثر بالعاطفة فكلما ازدادت العاطفة إيجابا يعني عندما يدخل الحب كما يقول الشاعر
"وإن الرضا عن كل عين كليلة" يفقد الإنسان النظر إلى الشيء بصورة موضوعية كما نشبه الاكتئاب أو الحزن والقول أن الاكتئاب يعتبر حالة مرضية هو بأقل حالاته يعتبر حالة مرضية، ولكن البعض يعتبروه كأنه توعك كتوعك المريض يضعون له بعض العلامات، والدلائل يعتبرون أن هناك علامات سلوكية أو تصرفات، على سبيل المثال الشعور بالتعب الجسدي بدون مبرر، الاضطراب في النوم، الحساسية أو سهولة الألم والحزن على أقل شيء فالأشياء التي ليس لها أهمية فهو يكبِّرها، هناك بعض الأعراض مثل الصداع، فقدان الرغبة أو الاستمتاع بالأمور والقضايا العادية، صعوبة في التركيز، عدم الشعور بالفائدة فهو يشعر أنه ليس ذا أهمية في الحياة، رغبة في الانتقام، قلق، هي في الحقيقة أعراض كثيرة.
المقدم
هل هناك سن معين تزداد فيه حالات الاكتئاب، أم أنها تعتري الإنسان في كل مراحل حياته؟
الدكتور أحمد
يقال أن همومنا صنع أفكارنا، الموضوع ليس له علاقة بفئة عمرية معينة، الصغير ممكن يكتئب والكبير ممكن يكتئب، الاكتئاب يرجع إلى وجود أسباب معينة، طبعا لا يوجد صفة للإنسان المكتئب لأنه يصيب الإنسان العادي والضعيف الشخصية والإنسان القوي والسليم كما ذكرت، ولكن في الحقيقة الإنسان عندما يواجه مشكلة في الحياة فهو يفكر فيها من خلال هل لديه إمكانية مواجهة هذه المشكلة أم لا، في الغالب إن لم تكن لديه هذه الإمكانية فهو يشعر بضيق بألم الذي يؤدي بعد فترة من الزمن إلى الشعور بالاكتئاب ، وإذا أردنا أن نتحدث هنا.. نتحدث عن الاكتئاب النفسي الذي يصيب بعض المتحمسين أو المتدينين والذي يأتي من أسباب عدم الشعور بالسيطرة على الواقع، النظر إلى المشكلات الاجتماعية التي يعانيها الناس بسبب البعد عن الدين، مشكلات ضعف الأمة العربية والإسلامية، فقدان المسلم لشخصيته، هذه القضايا تعطينا كثيرا من المشاكل خاصة تلك التي تتصل بالتعصب الديني، تلك التي تتصل بسوء فهم الأحكام الشرعية، تلك التي تتصل بالحكم على المواقف أو المتغيرات السياسية والاجتماعية أو الدينية على مختلف أنواعها.
القرضاوي
شكر الله الأخ الدكتور أحمد في الواقع ما قاله مفيد فعلاً، فليس كل من أصابه حزن يعتبر مريضاً، لأن الحزن ظاهرة طبيعية، الإنسان من شأنه أن يفرح وأن يحزن وهذه سُنَّة الحياة ولكن الذي يحزن بغير سبب أو الذي يطول حزنه ولا يجد مجالاً لأن يغير من واقعه هذا هو الذي نعتبره مكتئباً، يعني سيدنا يعقوب عليه السلام حزن على فراق ابنه يوسف ولكنه أيضاً شكا ذلك إلى الله قال (إنما أشكو بثِّي وحزني إلى الله واعلم من الله ما لا تعلمون) ورغم حزنه على فراق ابنه لم يفارقه الأمل في أن يراه لذلك قال (يا بني اذهبوا وتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من رَوح الله إنه لا ييأس من رَوح الله إلا القوم الكافرون) قال (عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً) هذا الأمل يخفف عن الإنسان من شدة التأثير الحزن والكآبة ولذلك الإيمان هو أعظم علاج للقلق ولهذه الأمراض، المؤمن إذا قوي إيمانه ينظر إلى هذه الأمور نظرة يفلسفها، يسمع قول الله تعالى (فعسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرٌ لكم) ويعلم أن دوام الحال من المحال، وتلك الأيام نداولها بين الناس، الدهر يومان يوم لك ويوم عليك، سيجعل الله بعد عسر يسراً، (فإن مع العسر يسراً، إن مع العسر يسراً) يعلم أن هذا الشيء لا يدوم، هذا يعطيه قوة في مواجهة الحياة، سيدنا عمر علمنا كيف نفلسف المصيبة ونجعلها نعمة لأنه قال: "ما أصبت ببلاء إلا وجدت لله علي فيه أربع نعم الأولى أنه لم يكن في ديني، وكل مصيبة في الدنيا تهون إذا لم تكن في الدين، وعلمنا الرسول صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا"، والثانية أنه لم يكن أكبر منه، لأن كل بلاء هناك بلاء أكبر منه وبعض الشر أهون من بعض، والناس تقول قضى أهون من قضى، ومن رأى بلوة غيره هانت عليه بلواه، والثالثة أنني لم أُحرم الرضا به، وفي بعض الأحاديث إن الله عز وجل بقسطه جعل الفرح والرَوح في الرضا واليقين، وجعل الغم والحزن في السخط والشك، فالرضا يجعلك تنظر للأمور نظرة غير نظرة الإنسان الساخط، والرابعة أنني أرجو ثواب الله عليه، أحد الصالحين دخلت في رجله عظمة وخرجت من الجهة الأخرى، فابتسم وقال: الحمد لله، قيل له: فيك كل هذا الوجع وتبتسم! قال: إن حلاوة ثوابي أنستني مرارة وجعي. سيدنا عروة بن الزبير كان من فقهاء التابعين ومحدثيهم وصالحيهم أصيب في يوم واحد بمصيبتين، قرر الأطباء أن رجله أصابها أُكلة فيجب أن تقطع وجاءه خبراً أن فرساً رفست أحد أبناءه فمات، لكنه نظر إلى رجله المقطوعة ورجله السليمة وقال: اللهم إن كنت ابتليت فقد عافيت، ونظر إلى ابنه المقتول وأولاده الآخرين قال: وإن كنت أخذت فقد أعطيت، بهذه الفلسفة الإيمانية يستريح الإنسان، بعض الناس ينظر إلى النعم المفقودة ولا ينظر إلى النعم المفقودة ولا ينظر إلى النعم الموجودة، قد يكون عنده أضعاف هذه النعم ولكنه غافل عنها الإيمان يجعله ينظر إلى هذا ويقول: الحمد لله.
مشاهد من دبي (الإمارات)
هناك موضوع يؤرقني ويقلقني ويشتد بي هماً، قبل عام غادرت الزوجة إلى البلاد وخضعت لفحوصات وعملية ـ أطفال الأنابيب ـ وكان ذلك في رمضان وأفطرَت نتيجة لذلك يومين بعد الدورة الشهرية، وعندها أخذوا مني حيوانات منوية بواسطة الاستمناء وليس بواسطة الجماع، لأن المختبر لا يعمل بالليل والسؤال هل تقضي الزوجة اليومين أم تصوم شهرين متتاليين وهل أقضي أنا اليوم الذي أفطرته أم علي كفارة الإفطار علما بأنني صمت 15 يوم.
القرضاوي
بالنسبة لك يا أخي عليك أن تصوم يوماً بدلهذا لأن الاستمناء يفطِّر ولا إثم عليك لأنك مضطر للعلاج، والزوجة تقضي اليومين وليس عليها كفارة إن شاء الله.
المقدم
وصل سؤال بالفاكس من شاب يقول أنا في الثالثة عشر من عمري وأنا في الصف الأول الإعدادي (السابع) وأرعى بيتين، ولي مشكلة واحدة هي أنه عندما أفكر في اليوم الآخر وكيفية يوم القيامة أشعر بالاكتئاب والخوف ومع أنني ولد لا أفوِّت صلاة واحدة ولا حتى صلاة العيدين وأقوم بكامل واجباتي تجاه الله عز وجل فما تفسير ذلك؟
القرضاوي
الخوف من الله ومن اليوم الآخر مطلوب كما قال الله تعالى (واتقوا يوماً ترجعون فيه إلى الله) وحكى عن الأبرار أنهم يقولون (إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً) فالخوف من اليوم الآخر ومن الحساب ومن الجزاء ومن الجنة والنار، خوف مطلوب بشرط ألا يصبح خوفاً مرضياً يصيب الإنسان بالهلع والرعب، شكا لي أحد الآباء أن ابنته صغيرة سمعت شريطاً عن عذاب القبر وهو شريط مخيف، حيات كالأفيال وعقارب كالبغال، بعض الوعَّاظ والمحدِّثين يهولون في هذه الأمور ويعتمدون على أحاديث ضعيفة وأحاديث موضوعة وحكايات لا أصل لها لتخويف الناس، ولكن هذا التخويف زائد، وكل شيء إذا زاد عن حده ينقلب لضده، فيؤدي هذا الرعب الذي يجعل البنت تقوم فزعة في الليل وأقلقت الأسرة وقد أصيبت هذه البنت بحالة أشبه بالهستيريا، ولذلك أنا أنصح المذكِّرين والمحدِّثين والوعَّاظ أن يكونوا مقتصدين في هذا، القرآن يحاول أن يعمل توازن بين الرجاء والخوف، بين الترغيب والترهيب (يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه)، (يرجون رحمته ويخافون عذابه) ولذلك القرآن يصف الله تبارك وتعالى بقوله (غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول)، (إن ربك سريع العقاب وإنه لغفور رحيم)، (إن ربك لذو مغفرة للناس على ظلمهم وإن ربك لشديد العقاب)، (وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان)، فأنا أنصح الذين يعرضون لأمور الآخرة وأمور القبر وأمور الموت وأمور الحساب أن يكونوا على سُنَّة القرآن بحيث ترجية مع تخويف، وترغيب مع ترهيب ووعد مع وعيد، حتى يتوازن هذان الأمران في نفس الإنسان المسلم، لا يصل به الرجاء إلى حد الأمن من مكر الله ولا يصل به الخوف إلى حد اليأس من رَوح الله (فلا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون)، (ولا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون).
المقدم
إذن نصيحتنا لولدنا هذا أنه كما يذكر الأمور التي تخوِّف من الآخرة يذكر رحمة الله ويذكر الجنة
القرضاوي
يذكر رحمة الله سبحانه وتعالى وأن الله عنده مائة رحمة أنزل من هذه المائة رحمة واحدة الناس يترحمون بها في الدنيا وأبقى 99 رحمة للآخرة.
مشاهد من تونس
نحب أن نسأل فضيلة الدكتور سؤالين:
السؤال الأول: لو أصيب شخص باكتئاب ولم يعالج هذا الاكتئاب فهل عليه جزاء؟
السؤال الثاني: يتعلق بما يسمى في بعض البلدان العربية التنمية الرياضية وهي عبارة عن مجموعة من الناس تشارك في مسابقة على هيئة فِرَق ويفوز في النهاية فريق منهم مع العلم أن هؤلاء الناس يدفعون مبالغ من المال للمشاركة ولكن المال في النهاية يفوز بنسبة منه الفريق الفائز، والذي توصل إلى الأجوبة الصحيحة وقد سمعت بعض شيوخ الدين حلل هذا النوع من المسابقات فما رأي فضيلتكم في ذلك؟
المقدم
بالنسبة للسؤال الأول وهو إذا لم نصل إلى حل للاكتئاب وقد يلجأ أحياناً بعض الناس إلى تصرفات خاطئة والعياذ بالله قد يعاقر الخمر وقد يؤذي نفسه أحياناً نتيجة إما ديون تراكمت عليه أو أي هم من هموم الدنيا.
القرضاوي
العلاج كما قلت هو الإيمان والله تعالى يقول (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين) الصبر هو قوة الإرادة، أنه يقوي إرادته في مواجهة هذه المحن ويقويها بمجموعة من المفاهيم أعطاها له الإسلام، وقد قال الله (وبشِّر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إن لله وإنا إليه راجعون) بعد أن قال لنبلونكم بكذا وكذا، كما قالت أم سليم حينما مرض أحد أطفالها وأدركه الأجل أي مات وجاء زوجها أبو طلحة الأنصاري وسألها عن الطفل قالت له: قد هدأت نفسه وأرجو أن يكون قد استراح ففهم أنه شفي وهو مات، وأصابها في تلك الليلة وبعد هذا قالت له: أرأيت لو كان عندنا متاع لجيراننا ائتمنونا عليه ثم طلبوه منا قال: من حقهم هذه أمانتهم وطلبوها، قالت له: فإن الله أعطانا ابننا فلان هذا وديعة ثم استرده منا، فغضب وشكا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ما فعلت أم سليم فأثنى النبي عليها ودعا لهما بالبركة ورزقهما الله في هذه الليلة بطفل وكان من هذا الطفل تسعة بعد ذلك منهم إسحاق بن عبدالله بن أبي طلحة أحد المحدثين المشهورين، المهم إن الإنسان يقول (إنا لله وإنا إليه راجعون) أي سنرجع إلى الله فيكافئنا ويجازينا لا يضيع شيء عند الله، فالإنسان عليه أن يعالج نفسه بمثل هذه المفاهيم الإسلامية وإن الصبر وراءه خير الدنيا والآخرة، عزَّى سيدنا علي رجلاً في وفاة ابنه فقال له: يا أبا فلان إنك إن صبرت نفذت فيك المقادير وأنت مأجور وإن جزعت نفذت فيك المقادير فأنت مأزور، العوام عبروا عن هذا فقالوا: "إن صبرتم أجرتم وسهم الله نافذ وإن ما صبرتم كفرتم وسهم الله نافذ" أي أن سهم الله نافذ في كلا الحالتين ومادام سهم الله نافذاً فلماذا لا يصبر الإنسان، فهذه المفاهيم مطلوبة حتى يستطيع الإنسان أن يتغلب على همومه وأحزانه، الصبر والصلاة، الصلاة أيضاً مدد، كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا حزنه أمر فزع إلى الصلاة يجد فيها عون على مصائب الدنيا، أيضا الإنسان لا يعتزل بل يخالط المؤمنين لأنه إذا بقي وحده يستوحش، والوحدة أحياناً تكون قاتلة، يشتغل مع المؤمنين يسلي نفسه بعمل الخير يشارك في جمعية يحسن إلى الناس فيدعون له، يشعر بسرور إنما بعض الناس إذا أصابه شيء اعتزل، العزلة نفسها خطر بمثل هذه الأمور ينبغي أن يعالج الإنسان نفسه، فهناك شيء في مقدور الإنسان وربنا يحاسبه لماذا قصرت فيه، وهناك شيء فوق طاقة الإنسان (لا يكلف الله نفساً إلا وسعها).
أما بالنسبة للسؤال الآخر فأنا أقول إذا دخل الشخص هذه المسابقة ليس لغرض إلا ليكسب فإما يربح وإما يخسر فهذا هو القمار، إنما لو دخل شخص هو يعجبه هذا ويريد أن يشارك وليس هناك مشاركة إلا برسوم فيدفع، إنما لو كان داخل ويقول أنا أريد أن أكسب ولولا هذا ما دفعت ولا فلس مثل اليانصيب فهذه الأشياء التي تحتمل إما الربح أو الخسارة هذه هي الميسر أو القمار وهي محرمة.
مشاهد من العين (الإمارات)
لي صديق كان مسيحي وأسلم ليتزوج وبعد فترة 10 - 15 سنة وجدت أنه لا يصلي وبعيد عن الإسلام وأصبح كل أصدقائه من المسيحيين فما الذي يمكن أن نعمله معه هل هو في حكم المرتد وبذلك تحرم عليه زوجته، هو يقول أنه على الإسلام ولديه أولاد ولكنني لم أره ولا مرة يصلي في مسجد فماذا نفعل وجزاكم الله خيراً؟
القرضاوي
جزاك الله خيراً على الاهتمام بهذا الأمر ولكن هذا الاهتمام لا يجب أن يجعلك تكتئب نحن لا نريد للمسلمين أن يكتئبوا وأن يحاولوا علاج الأمور وأن يجدوا لكل مشكلة حلاً وكل مشكلة في الدنيا لها حل، الناس تقول: كل عقدة ولها حلال، وهذا عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم "ما أنزل الله داءً إلا أنزل له دواء علمه من علمه وجهله من جهله" لابد أن نعلم أنه لا يوجد شيء بدون حل، أنا أقول للأخ إذا كان الرجل قد أسلم حقاً في وقت من الأوقات، المشكل إن بعض الناس هو لا يريد الإسلام إنما يريد فلانة وأسلم من أجلها وهذا إسلام مدخول مشكوك فيه، إنما لو جعلته فلانة يحب الإسلام ودخل في الإسلام ولكنه لم يعمل الأعمال الصالحة، هنا هل عمل بعض الأعمال الصالحة أم لم يعمل عملاً صالحاً قط، الإيمان لابد أن يكون له أثر، ليس الإيمان بالتمني ولا بالتحلي ولكن ما وقر في القلب وصدقه العمل، ولكن حتى ولو بعض العمل يصلي الجمعة مرة، يصلي العيد مرة، يعمل أي شيء ليثبت إسلامه، إن كان يشهد ألا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقول أنا مسلم فيكون الخلاف هل ترك الفرائض وعمل الكبائر يكفِّر أو لا؟ هذه قضايا ورأي أهل السُنَّة، إنه إذا كان مؤمناً بأنه لا إله إلا الله محمد رسول الله ولو قصر في الأعمال فهو مسلم فاسق يعني لا تطلَّق منه زوجته، إنما لو كان ليس له بالإسلام أي صلة وهي كلمة قالها وانتهت من زمان فهذا مرتد ولا تستطيع إدارة الإفتاء أن تجبره على شيء ما لم تقم الزوجة نفسها بتقديم شكوى أن هذا لم يعد مسلماً إنما من غير ذلك فلن يجبره أحد على شيء، كان في السابق من الممكن لشخص أن يحتسب على شخص آخر، إنما ظهر الآن قانون في مصر أنه لا يجوز لشخص أن يحتسب على شخص آخر إلا إذا كان له هو فيه مصلحة تخصه من غير ذلك لا يستطيع أن يحتسب على الآخرين.
مشاهد من عمان
قرأت في كتاب أحمد بن حنبل هذا النص "دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه الكآبة" النص الآخر "دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان كئيباً حزيناً" ربط بين الكآبة والحزن كيف كان حزن الرسول عليه الصلاة والسلام ونحن نعلم أنه حزن على وفاة ابنه إبراهيم؟
القرضاوي
لاشك أن الحزن يعتري الأنبياء كما يعتري عامة الناس ذكرنا حزن سيدنا يعقوب عليه السلام والرسول عليه الصلاة والسلام بشر يفرح كما يفرح البشر ويحزن كما يحزن البشر، لذلك حزن على وفاة عمه حمزة وحزن على من أصيبوا من الصحابة في أُحُد، ونزل قول الله تعالى (ولا تهِنوا ولا تحزنوا وأنتم الأعلَون إن كنتم مؤمنين) وحزن على وفاة ابنه إبراهيم وقال: "إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يُرضي ربنا وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون" هنا ميزة المؤمن عن غيره "لا نقول إلا ما يرضي ربنا" الحزن هذا شيء طبيعي حينما ماتت حفيدة للنبي عليه الصلاة والسلام فدمعت عيناه فقيل له: يا رسول الله نهيتنا عن البكاء فقال: هذه رحمة وإنما يرحم الله من عباده الرحماء، فالحزن الطبيعي والرحمة الطبيعية لا يمنع منها بشر، إنما الذي يمنع هو الاستسلام لهذه الأشياء والاستمرار فيها حتى تصبح مرضاً وهذا أعاذ الله منه رسوله صلى الله عليه وسلم فقد كان يستعيذ بالله من الهم والحزن وقال الله تعالى (قل بفضل الله وبرحمته فبذلك فليفرحوا هو خيرٌ مما يجمعون)